كانت رحلات تشنغ خه البحرية فتحا تارخيا، حيت امتدت خطوطه الملاحية من غربي المحيط الهادي إلى المحيط الهندي لتصل إلى غربي افريقيا والساحل الأفريقي الشرقي، ورأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب افريقيا، حتى وصلت إلى المحيط الأطلسي. وهطذا فقد شملت المحيطات الثلاثة وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الملاحة الصينية، ويحتل مكانة بارزة في تاريخ الملاحة العالمية، لأنها سبقت رحلة فاسكو داغاما التي مرت برأس الرجاء الصالح ووصلت إلى الهند بـ83 عاما ورحلة ماغلان العالمية بـ107 أعوام. كان من الأعمال العظيمة أن قام بالرحلات معتمدا على السفن الخشبية وقوة الرياح الطبيعية ومتغلبا على أنواع مختلفة من الصعوبات البحرية، لأن ذلك لم يتطلب فقط تكنولوجيا الملاحة وصناعة السفن وتجارب الملاحة واستعاب معارف الملاحة، بل احتاج إلى الجرأة وروح الاستكشاف والمغامرة.

وفقا لما ورد في كتاب <<الجغرافيا- تاريخ هان>>، تم شق طريق الحرير البحري المؤدي إلى غرب الصين في عهد حكم الإمبراطور وو دي من أسرة هان في القرن الثاني قبل الميلاد، من مقاطعتي قوانغدونغ وقوانغشي إلى سريلانكا حاليا. وفقا للتسجيلات الصينية والعربية، في عهد أسرتي تانغ وسونغ (618-1279) وصل الأسطول الصيني إلى الخليج والبحر الأحمر والساحل الأفريقي الشرقي. سافر الرحالة الكبير /وانغ دا هان/ في عهد أسرة يوان (1271-1368) على متن سفينة إلى زنجبار مرتين عام 1330 و1339. يسجل كتاب <<رحلات ماركو بولو>> أن الإمبراطور قوبلاي خان بعث رسلا لزيارة مدغشقر، كل ذلك ارسى أساسا لرحلات الصينيين في الفترات التالية. قبل عهد أسرة يوان كانت خطوط الملاحة الصينية إلى الغرب متوازية مع سواحل البحار أساسيا وكانت الرحلات البحرية اقل من رحلات تشنغ خه في حجم السفن وعددها وعدد البحارة وعدد الرحلات وفتراتها.

لكن تشنغ خه حقق اختراقا جوهريا للملاحة الصينية، وشق بعض خطوط الملاحة الجديدة، وشكل شبكة مواصلات بحرية تتشابك فيها عدة خطوط.

انطلقت رحلات تشنغ خه من ميناء ليوجيا في محافظة تايتسانغ بمقاطعة جيانغسو حاليا، لتتجه إلى الجنوب ثم ترسو في ميناء تايبينغ بمنطقة تشانغله بمقاطعة فوجيان انتظارا للرياح الموسمية الشمالية الغربية بالمحيط الهادي، عندما هبت هذه الرياح في فترة ما بين نوفمبر وديسمبر، مر اسطوله بمضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي ووصلت إلى أول محطة وهي مدينة تشانتشنغ، ثم دخل مختلف البلدان بجنوب شرقي آسيا، فالهند. وصلت رحلاته الثلاث الأولى إلى شرقي الهند رئيسيا، وكان أبعد مكان وصله كلكتا بالهند التي كانت ميناء هاما للتجارة البحرية بين الشرق والغرب في العصور القديمة. وصل أسطوله في رحلته الرابعة إلى غربي آسيا وشرق أفريقيا. بعد الدراسة الدقيقة يرى بعض العلماء أن عدد خطوط ملاحة تشنغ خه الرئيسية 56 خطا، بلغ إجمالي طولها 15000 ميل بحري.

وقد فتح أسطوله الخط من كلكتا إلى ليوشان إلى مقديشو بالصومال وبوتسوانا وغينيا، ثم إلى الجنوب إلى ميناء موزمبيق وميناء صفرة، ودخل الاسطول إلى منطقة العواصف بجنوب أفريقيا، متجاوزا الملاحة مع الرياح الموسمية. من زاوية تاريخ تطور الملاحة، كانت خطوط ملاحة تشنغ خه ناضجة نسبيا، وذات اختراق مبتكر، أرست أساسا متينا للملاحة بعده.