ثقافة

اقتصاد

دوليات

محليات

السعادة في نهر النيل

دينا تسونغ

سأعود إلى الصين بعد شهر، اليوم أزور نهر النيل مرة أخرى. وقد سبق أن زرته مرات: في الأقصر مشيت على ضفته ليلا وفي أسوان سهرت مع صديقتي على شاطئه ساعات، وهنا في القاهرة أقف على الجسر مرات مثل اليوم. اليوم في ابريل، وأقف هنا على الجسر بكل فرح، فالنسيم مريح لطيف. وأسبح بأفكاري كأني أطير إلى الجنة. أما المصريون فيتمتعون بهذه السعادة التي أنعم الله عليهم بها. في الأصيل، يجلس هنا بعض الأسر على جسور النيل ومعهم المأكولات التي يعدونها بأنفسهم وهم يسهرون ويضحكون، بينما يزقزق هناك عاشقان يرسمان حياتهما في المستقبل. في هذا النسيم المريح، وفي نفس الوقت، يتجمع بضعة شباب ويرقصون ويغنون حول فتاة جميلة، كلهم يتمتعون بسعادة شبابهم. وكل هذا يعطي صورة جميلة لنهر النيل، بل للعالم.

ذات مرة، صادفت، من حسن حظى، حفل زفاف مقام على جسر نيلي. في أغلب الأحيان، يقيم المصريون حفلات الزفاف ليلة يوم الخميس.. نهاية الأسبوع بالنسبة للمصريين. في هذه الليلة، يلعب كل من يشترك بالحفل حتى اليوم التالي بدون استراحة. وهذا شيء جميل للمصريين المحبين للسهر. ومثل هذه المرة، شهدت العروسين مع جموع غفيرة تحيطهما من كل جانب وعلى وجههما ابتسامات سعيدة ورائعة. أما الجموع من حولهما فبعضهم يعزف على العود أو يضرب الدفوف، وبعضهم الآخر يرقص. الموسيقى والرقصات تتميز كلها بالميزات الشرقية. وشهدت بين الحاضرين فتاة جميلة يبدو أن عمرها بين 13 و14 سنة، كانت ترقص رقصة جميلة وعلى وجهها ابتسامة خجولة، ورقصتها رائعة جدا كزهرة تتراقص مع نسمات النيل. وما أعجبني أكثر هو أن امرأة من بينهم كانت تصرخ بـ"الراء" ، وصوتها عال جدا، تختلف عن "الراء" في اللغة العربية الفصحى. شعرت بعجب شديد، ثم اقتربت منهم لأشاهد جيدا، وجدت أن لسانها لا يتحرك داخل فمها من أعلى إلى أسفل بل من اليمين إلى اليسار، كانت تزغرد. وفي هذا الوقت، رأتني هذه السيدة، ودعتني إلى مشاركتهم، فرقصنا وغنينا معا رغم أنني لا أعرف كيف أرقص وأغني مثلهم، ولكن هذا ليس مهما، الأهم هو أنني أعبر عن تهنئتي لهذين العروسين. وفي النهاية أخذنا صورة معا كذكرى خالدة. يعتقدون أن التهنئة من هذه الفتاة الأجنبية هي من أسعد الأشياء وأكثرها حظا في حفلهم، اذ أن هذه التهنئة جاءت من بلاد بعيدة. ولا يعرفون أنني سعيدة أيضا ومن حسن حظي أن شاركت في حفل زفاف ببلاد بعيدة. وما يؤسفني حتى الآن هو أنني ما زلت لا أعرف كيف أنطق "الراء" (الزغردة) مثل تلك السيدة مع أنني قد درست وحاولت مئات المرات.

يقول المثل المصري : من يشرب من ماء النيل لا بد وأن يعود إليه. أتمنى أن أزور مصر السعيدة مرة أخرى، وحينذاك سأعرف كيف أنطق "الراء" (الزغردة) مثل تلك السيدة على الأقل.