من المعروف أن مصر دولة ذات أعياد كثيرة، تعجز العين عن الإلمام بها، فهناك أعياد موحدة حددتها الدولة، وأعياد إقليمية حددتها مختلف المحافظات. إلى جانب ذلك هناك الأعياد الإسلامية والمسيحية واليهودية وغيرها من الأعياد الدينية والأعياد التقليدية بأسماء مختلفة. يجعل المصريون المتفائلون والأحرار حياتهم اليومية مزدهرة تنبض بالقوة والحيوية، مفعمة بالحركة والضجة، و يفرحون بقدر المستطاع في الأعياد والمناسبات. لكن، عندما تصبح القاهرة، هذه العاصمة الحديثة الكبيرة، خالية من الضجيج الدائم وتصبح هادئة في يوم ما، قد لا يفهم المقيمون فيها مؤقتا السبب في ذلك، بينما يفرح الأجانب المقيمون وقتا طويلا فيها ويسعدون مع المصريين، لأنهم يحتفلون مع المصريين بعيد تقليدي سنوي، عيد شم النسيم.
يسمى عيد شم النسيم بعيد الربيع أيضا. تقول مقالة نشرت في صحيفة الأهرام أن هذا العيد هو العيد التقليدي الأقدم والأعظم لكل المصريين، يعود تاريخه إلى خمسة آلاف عام.
قيل أن المصريين القدماء يرون أن مجيء عيد شم النسيم يعني مجيء الربيع وانبعاث الكائنات ، كما أنه يرمز إلى بداية حياة جديدة. وفقا للجداريات المكتشفة التي تسجل الاحتفال بعيد شم النسيم، يعود تاريخ هذا العيد إلى عام 2700 ق.م. كان احتفال المصريين القدماء بعيد شم النسيم مثل احتفال الصينيين القدماء بعيد دوانوو بمسابقة قوارب التنين نوعا ما، حيث يضعون زورقا شمسيا على سفينة مزخرفة جميلة لتسير مع تيار النيل، بينما يدق الرهبان والجنود الطبول ويغنون على شاطئ النيل، ويتمتع الفرعون والوزراء والجماهير بذلك المنظر ويفرح الأطفال وهو يركضون ويصيحون فرحين.
موعد عيد شم النسيم ليس محددا، بين أواسط مارس وأوائل مايو تقريبا. لأنه بعد دخول المسيحية مصر، صادف عيد شم النسيم موعد الصيام الكبير للمسيحيين الذي يمنع تناول اللحوم والأسماك، لكن المصريين لابد أن يأكلوا السمك المملح و الفسيخ في هذا العيد، فأجلوا موعد العيد في ذلك العام، ثم حددوا موعد هذا العيد في اليوم الثاني بعد عيد الفصح، أي يوم الاثنين بعد عيد الفصح كل عام.
عيد شم النسيم عيد وفرح لكل أبناء مصر. مدة الإجازة فيه يوم واحد، تفتح كل الحدائق وأماكن التسلية للجماهير مجانا. النشاطات الرئيسية في هذا اليوم هو الخروج من البيوت إلى الطبيعة، إلى الضواحي إلى الفضاء للتمتع بالربيع وتناول وجبة هناك. حيث يتمتعون في أحضان الطبيعة التي تتفتح فيها الأزهار الملونة وتنبت الأعشاب الخضراء بجمال وحيوية الربيع.. يلبس كل المصريين، أيا كان دينهم أو لون بشرتهم، ملابس العيد ويحملون أنواعا من الآلات الموسيقية والأطعمة الفاخرة لينطلقوا مع أفراد عائلاتهم إلى الطبيعة، ليمتزجوا مع الطبيعة، ويتمتعوا بجمالها.
تناول الوجبة في الهواء الطلق جزء لا يتجزأ من عيد شم النسيم، والبيض الملون، والفسيخ والبصل والخس والحمص الأخضر هي المكونات الخمسة الرئيسية لهذه الوجبة. قيل أن لكل نوع من هذه الأنواع الخمسة معنى خاص، وبعض معانيها يأتي من الحكايات القديمة.
يرى المصريون أن البيض رمز للحياة، عادة يسلقون البيض عشية العيد، ويلونها بألوان مختلفة، ثم يكتبون أمنياتهم فوقها، يعني تلوينها ازدهار الربيع وانبعاث الكائنات. ثم يتركون البيض الملون في سلال مصنوعة من سعف النخيل تعلق في الأغصان أو على أسطح البيوت لتلبي الآلهة أمنياتهم المكتوبة على البيض الملون، عندما يظهر أول خيط من خيوط الفجر على البيض، تتقبل الآلهة أمنياتهم. في هذا الوقت يقشر الناس البيض الملون ليأكلوه، كما يمكنهم أن إهداؤه للأقارب والأصدقاء، بعض المظاهر مثل الصيني الذي ينجب مولودا جديدا يوزع البيض ذا القشر الأحمر الذي يرمز إلى البركة والسعادة على المهنئين له.
قيل أن المصريين القدماء كانوا لا يأكلون السمك في الصيف، السبب في ذلك سهل، لأن 96% من أراضي مصر صحراء، الجو فيها جاف وحار، خاصة في الصيف، فيفسد السمك سريعا. ثم اكتشفوا أسلوبا جيدا حيث صادوا الأسماك في الشتاء قاموا بتمليحها ووضعها في أوعية محكمة، لتناولها في عيد شم النسيم، هذا هو الفسيخ الذي يأكله المصريون في عيد شم النسيم.
هناك حكاية حول أكل البصل. قيل إنه في زمن بعيد بعيد، كان لفرعون ولد وحيد، فكان يهتم به اهتماما بالغا، كما أحبه الناس حول الفرعون. لكن للأسف أصيب هذا الأمير الصغير بمرض غريب جعله يلازم الفراش بدون حركة سنوات، ولم يكن هناك علاج ناجع له. بعد ذلك دعا الفرعون راهب معبد إله الشمس، فوضع هذا الراهب البصل تحت وسادة الأمير الصغير وقرأ التعاويذ مع غروب الشمس، ثم قطع البصل عند طلوع الشمس في اليوم التالي ليضعه فوق أنف الأمير ليتنفس رائحة البصل، وأمر الناس أن يعلقوا كثيرا من البصل على جوانب سرير الأمير وإطارات أبواب قصر الفرعون لطرد الأرواح الشريرة. لم يمض على ذلك إلا وقت قصير حتى شفي الأمير وأمكنه أن يتحرك ويلهو ويلعب بحرية، فرحت البلاد كلها، كان الوقت وقت عيد شم النسيم، وكان من الطبيعي أن يصبح البصل طعاما مقدسا لهذا العيد.
الخس والحمص الأخضر لهما قمة طبية. الخس المصري ليس مثل الخس الصيني تماما. تذكر المؤلفات المصرية الطبية القديمة أن يمكن لهذا الخس أن يقاوم الأمراض التي تحدث دائما في الربيع، لها فعالية علاجية للروماتيزم وقرحة المعدة وأمراض الجهاز العصبي. قدم المصريون القدماء الخس كقرابين لإله التناسل. ثم اكتشف العلماء أن في الخس هرمون الذكورة، مما يفسر لنا لماذا قدمه المصريون القدماء لإله التناسل. يسمى الحمص الأخضر بالحمص المصري أيضا هو نوع من الخضروات الربيعية. قيل انه يفيد في الوقاية من أمراض الأطفال العادية، كما يفيد في علاج أمراض الكبد والكلية والمثانة ووقف النزيف وإزالة الالتهاب وتنشيط الدورة الدموية وإزالة الأورام وتعزيز التئام الجروح.
يصادف عيد شم النسيم في هذا العام يوم 16 إبريل، أجمل موسم بين الربيع والصيف في مصر. تزدهر الشوارع والحارات والأزقة والأسواق المركزية بالقاهرة بالناس الفرحين الذين يتنافسون في شراء مستلزمات العيد لاستقبال شم النسيم.
( كاتبة المقالة: ليانغ يوي تشن، مراسلة محطة التلفزيون الصيني المركزية بالقاهرة )