العالم في تاريخ العرب نا تشونغ

اسمه الإسلامي عبد الرحمن ولقبه تسي جيا. وهو من أبناء محافظة تونغهاي بمقاطعة يوننان. ولد سنة 1910. وفي طفولته جاء به والده إلى كونمينغ عاصمة المقاطعة سعيا وراء لقمة العيش، حيث عمل في بيع الحاجات اليومية في كشك غير مسقوف. بعد ان انهي نا تشونغ دراسته الابتدائية التحق بمدرسة مينغده التي أسسها المسلمون المحليون. يومها اظهر نا تشونغ المجد في دراسته مواهبه بمشاركته في تحرير صحيفة "التوعية الإسلامية" وكتابته مقالات لها، وهو بعد طالب في مدرسة مينغده. ولم يكتف بذلك بل نشر مقالات خاصة بالحضارة الإسلامية في مجلة "نضرة الهلال" ببكين. وفي سنة 1931 أوفد نا تشونغ ومحمد مكين ولين تشونغ مينغ وطالبين مسلمين آخرين إلى مصر لتحصيل العلم في جامعة الأزهر. ومن هنا عشق الحضارة العربية ¨C الإسلامية. وفي سنة 1932، وكان حينذاك في الثانية والعشرين من عمره، نقل إلى الصينية بـأسلوب سلس كتاب "الإسلام" (تأليف عالم مصري كبير يدعى منصور. والكتاب غني بمحتواه، ويتناول تاريخ الإسلام وعلم التوحيد والمبادئ الأخلاقية الخ). وتشره سنة 1934. وفي خريف 1936 انعم عليه المجلس الأعلى لجامعة الأزهر بشهادة "العالمية"، فكان أول طالب صيني يحظى بهذا الشرف العظيم. وأثر ذلك التحق بكلية أصول الفقه التابعة لجامعة الأزهر، حيث تفرغ لدراسة تاريخ الإسلام طيلة 4 سنوات إلى ان عاد إلى الصين سالما غانما سنة 1940. وخلال وجود نا تشونغ في القاهرة قام، في أوقات فراغه، بترجمة "الإسلام والحضارة العربية" بقلم محمد كرد على و"تاريخ الأفكار العلمية الإسلامية" بقلم احمد أمين. وبعد عودته إلى الصين مباشرة عمل مديرا بالنيابة لمدرسته الام ¨C مدرسة مينغده. واستقدم سنة 1942 إلى الجامعة المركزية (جامعة نانجينغ اليوم) حيث عمل أستاذا في تاريخ العرب وتاريخ العالم العام واللغة العربية الخ. وانتقل سنة 1948 إلى جامعة يوننان ليعمل أستاذا في كلية التاريخ. ومنذ سنة 1958 وهو يعمل أستاذا ومديرا لقسم اللغة العربية في الجامعة الدبلوماسية (هي قسم اللغة العربية من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين اليوم). وعلى مدار نصف قرن ظل نا تشونغ يواظب على تعليم طلاب العلم دون كلل أو ملل، فخرج للدولة مجموعة كبيرة من الأكفاء المطلوبين.

وبالإضافة إلى انكبابه على التعليم لم يفتر عن التأليف والترجمة أيضا. ففي الأربعينات امضي 5 سنوات في تأليف كتابه "تاريخ حضارة البلدان الإسلامية"،  معتمدا على المعلومات الموثقة والأسلوب المبسط، مما مكن بنى وطنه من معرفة تاريخ هذه البلدان على نحو صحيح.

بعد تأسيس الصين الجديدة سنة 1949 أصبح نا تشونغ يعيش في طمأنينة متزايدة، الأمر الذي هيأ له الظروف المؤاتية لممارسة النشاطات العلمية. وفي ظل ذلك تم له تأليف "تاريخ مصر الحديث" و"مؤرخون عرب في العصور الوسطى" و"العلاقات المتبادلة بين الصين وبلاد العرب في أوائل العصور الوسطى" و"انتقال المسلمين العرب إلى مصر في العصور الوسطى". وفي الفترة ما بين سنة 1982 و1986 تم تأليف ونشر 10 أجزاء من المواد الدراسية العربية تحت إشراف نا تشونغ. ويعتقد بأن ذلك منقطع النظير في ميدان التعليم العربي في الصين.

لنا تشونغ تأثير واعتبار كبيران في الأوساط العلمية الصينية. وقد انتخب رئيسا للجمعية الصينية لتاريخ إفريقيا وعضوا في اللجنة الدائمة للجمعية الإسلامية الصينية، وعضوا في اللجنة العلمية لمعهد بحوث التاريخ الأجنبي التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، وعضوا في جمعية دراسات آسيا الغربية وإفريقيا الخ. وفي مارس 1981 دعي نا تشونغ إلى حضور ملتقى علماء الإسلام الدولي المنعقد في إسلام آباد حيث القي بحثه المكتوب باللغة العربية بعنوان "تأثيرات الإسلام في العالم". وفي أغسطس من نفس السنة دعي إلى حضور ندوة الفكر الإسلامي الخامس عشر المنعقد في الجزائر حيث القي بحثه بعنوان "القرآن الكريم وانتشاره في الصين". وانتخب سنة 1985 عضوا مراسلا للمجمع اللغوي بدمشق.

يبدو نا تشونغ عميق التفكير، وهو لطيف العشرة. وما من أحد اتصل به إلا وتأثر بسعة اطلاعه على تاريخ الإسلام وبلاد العرب، وقوة ذاكرته الفائقة وإخلاصه في التعامل. وأشد ما يدعو إلى التأثر هو بساطة حياته المتناهية. وقد قال: "أنا أقتنع بما يشبعني من طعام وما يدفئني من لباس. والمتعة المعنوية التي أجدها في القراءة والتأليف والبحث خير لي من المتعة المادية." وبدافع من هذه القناعة اتخذ قول النبي عليه الصلاة والسلام:"اطلب العلم من المهد إلى اللحد" شعارا له. فبرغم دخوله العقد التاسع من العمر لكنه ما زال يثابر على التعليم والترجمة والتأليف، بهمة عالية. وما يصبو إليه اليوم هو ان ينجز ثلاثة أمور :إكمال تأليف "تاريخ العرب العام"، وإكمال ترجمة "فجر الإسلام" و"ضحي الإسلام" و"ظهر الإسلام" (بقلم أحمد أمين) إلى اللغة الصينية، وإرشاد طلاب الدكتوراه على أكمل وجه. "النجاح حليف صاحب الإرادة القوية"، ويعتقد بأن نا تشونغ سيحقق أمانيه الثلاث هذه.