طريق الحرير البحري في العهد البيزنطي

      في العهد البيزنطي استفادت الموانئ المطلة على الخليج العربي وساحل اليمن من الصراع الاقتصادي بين الساسلنيين والبيزنطيين، حيث عمل الساسلنيون على تقليص تجارة البيزنطيين البحرية المباشرة مع الهند فقلت بذلك سفن البيزنطيين المبحرة في المحيط الهندي والخليج العربي، واكتفت سفنهم بالوصول إلى باب المندب والسواحل الأفريقية للتزند منها بيضائع الشرق ونجح الساسلنيون في نقل تجارة الهند وسيلان والصين البحرية إلى الخليج العربي حيث لا يزاحمهم أحد فكانت بضائع الشرق تمر بموانئ صحار والبحرين حتى تصل إلى الابله بالعراق. ويذكر المسعودي أن سفن الصين والهند كانت ترد إلى ملوك الحيرة الموالين للساسانيين وتدخل في القرات وترسوا في ميناء الابله ومن العراق كانت بضائع الصين تنقل إلى الشام حيث تباع على البيزنطيين وكان أهم مواد تلك التجارة الحرير الصيني الذي اشتد عليه الطلب عند البيزنطيين، ولكن البيزنطيين حاولوا بدورهم ضرب احتكار الساسانيين لتجارة الشرق البحرية وحرمانهم من الأموال التي تعود عليهم من تجارة الحرير الصيني واستعانوان في ذلك بالأحباش ووضعوا لذلك خطة استراتيجية تهدف إلى سيطرة الأحباش على سواحل البحر الأحمر واليمن التي تفصل بين أراضيهم في بلاد الشام ومصر وموانئ تجارة الشرق في المحيط الهندي، فساعدوا الأحباش في الاستيلاء على اليمن، حيث ذكر أن السفن التي نقلت جنود الأحباش التي نقلت جنود الأحباش التي استولت  على اليمن سنة 525 م كانت سفنا بيزنطية أمر القيصر بإرسالها إلى الحبشة. وفي عام 531 م أرسل الامبراطور جوستنيان وفدا إلى اكسوم ليفاوض الأحباش في شراء الحرير الصيني والبضائع الأخرى من الهند مباشرة وبيعه للبيزنطيين وقد وافق الأحباش على ذلك، ولاكمال الخطة الموضوعة عمل الأحباش بعد أن استقروا في اليمن على مد نفوذهم على الحجاز والسيطرة على سواحل البحر الأحمر العربية والاتصال أرضا بالبيزنطيين في بلاد الشام ومصر فجهز ابرهة الحبشي حاكم اليمن حملة سنة 571 م للاستيلاء على مكة وضم الحجاز وضرب نشاط قريش التجاري المتمثل في رحلة الشتاء والصيف حيث كان تجار مكة يتجهون في فصل الشتاء إلى اليمن ويشترون بضائع الشرق القادمة اليها ليبيعونها في فصل الصيف في بلاد الشام. ولكن حملة ابرهة لم تحقق أي نصر ولم تخضع مكة لسلطة الأحباش.

      ومن جهة أخرى لم ينجح التجار الأحباش في منافسة تجار الخليج من العرب والفرس على تجارة الشرق، فقد كان هؤلاء قد استقروا في سيلان والهند ولعبوا لفترات طويلة دور الوسطاء في هذه التجارة فسقطت بذلك المخططات البيزنطية الحبشية ومما قضى على هذه الأحلام نهائيا تمكن الجيش الساساني الذي وصل إلى اليمن بحرا من طرد الأحباش وبمساعدة اليمنيين الذين كانوا قد اعلنوا ثورة عامة على الأحباش في بلادهم، وهكذا يتضح أن السيطرة على ارباح التجارة الصينية والهندية كانت السبب الرئيس المحرك للأحداث التي شهدتها جزيرة العرب في القرن السادس الهجري. ويرى الدكتور جواد على أن حملة ابرهة على مكة لم تكن غايتها هدم الكعب وحسب وانما لدوافع اقتصادية وسياسية ويبدو أن هدم الكعبة والذي لم يتم كان مجرد تكتيك ورمز للسيطرة على القرشيين والعرب.