تاريخ التبادلات التجارية بين الصين وجزيرة العرب في طريق الحرير البحري

كان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، ومثل ذلك كان يفعل العرب فقد كانت سفنهم تبحر من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع الصين والهند ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والنحاس واللبان والؤلؤ، وبوصول البضائع الصينية والهندية إلى موانئ الجزيرة العربية كان التجار العرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس وبلاد مابين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة وكثر ثراء العرب من التجارة بالمواد الناتجة عن جزيرتهم وتلك المستوردة من الهند والصين، وقد جلب هذا الثراء على العرب نقمة القوى والشعوب المحيطة بجزيرتهم الذين كانوا يتبايعون معهم بتجارة الشرق الأقصى، فمنذ نهايات الألف الثالث قبل الميلاد حاول الاشوريون فرض سيطرتهم على تجارة الشرق التي يقوم العرب فيها بدور الوسطاء فقد عبرت إحدى الوثائق الاكادية القديمة عن نجاح الامبراطور سرجون ملك اكاد (2300ق م) في جلب مراكب مجان ودلمون وملوخه إلى ميناء اكاد والمعروف أن مجان هي عمان ودلمون هي البحرين وملوخه هي بلاد السند، وقد حاول الفرس أيضا منذ عصورهم القديمة مزاحمة العرب على منافع هذه التجارة فقد جهزوا حملة في عهد امبراطورهم دارا الكبير (521-485ق م) نجحت في الدوران حول شبه الجزيرة العربية من الخليج العربي إلى خليج السويس ووصلت إلى مصر بهدف السيطرة على مساري طريق الحرير البحري: مسار الخليج العربي ومسار البحر الأحمر والبتالي احتكار تجارة الشرق الأقصى واقصاء عرب الجزيرة العربية عن الميدان ولكن حملة الملك دارا لم يدم نجاحها ولم تتكرر مرة أخرى في التاريخ ولذلك فهي لا تعدوا كونها مغامرة كما حاول اليونانيون أيضا فرض سيطرتهم على الملاحة في البحر الأحمر وفي الخليج العربي وكانت لهم مستوطنة في جزيرة فيلكة الواقعة حاليا بدولة الكويت، كما أن الفرس في العصور التالية استطاعوا فرض سيطرتهم على تجارة الصين والهند المارة بالخليج العربي ولكن سيطرتهم لم تحرم العرب من المشاركة الفاعلة في حركة هذه التجارة نظرا لخبرتهم الطويلة ومعرفتهم الواسعة ببناء السفن والأبحار في مياه المحيط الهندي. ولحاجة الفرس إلى موانئهم التي كانت تمثل نقطة الانطلاقة لمراكب الصين والهند. ويستمر التنافس بين العرب والفرس على تجارة الشرق في مد وجزر في العصور التالية ففي أيام الفرثيين الذين سقطت دولتهم في فارس في أوائل القرن الثالث الميلادي أصيبت تجارة الخليج القادمة من الهند والصين بنوع من النكماش نتيجة تشجيع الفرثيين لنقل تجارة الصين على الطريق البري الذي يمر عبر أراضيهم، ولكن سياسة خلفائهم الساسانيون جاءت معاكسة فعملوا على تشجيع التجارة على طريق الحرير البحري وانتقل الاهتمام إلى موانئ شمال عمان والبحرين وساحل هجر، وقد لعب ميناء ابو لوكس (الابله) دورا مهما في التجارة مع الصين والهند حيث كان من أهم موانئ أعالي الخليج العربي ومنه كانت تصدر حاصلات بلاد ما بين النهرين وفارس إلى الهند والصين واليه كانت تصل أخشاب الصندل والابنوس والحرير الصيني وكان به مراكز جمركية تجبي الضرائب لكسرى.

      ولا نجد فيما أطلعنا عليه من مصادر تاريخية وأدلة أثرية ما يشير إلى وصول سفن العرب إلى سواحل الصين او وصول سفن الصينيين إلى موانئ الجزيرة العربية في الحقب التاريخية السابقة للميلاد او في القرون الأولى الميلادية ولكن المصادر تشير إلى أن البضائع الصينية المنقولة على طريق الحرير البحري كانت تصل إلى الهند على السفن الصينية والهندية ثم تجلب إلى موانئ الجزيرة العربية من أسواق الهند وسيلان على سفن عربية وفارسية وهندية، فقد كانت السفن الهندية تبحر في عصور ما قبل الإسلام في المياه العربية وتصل إلى جزيرة سقطري وإلى ساحل عدن وإلى موانئ صحار والبحرين والابله التي كانت بها جاليات من الهند في تلك الفترة، ودامت شهرت السفن الهندية التي تجوب مياه الخليج وبلغت حدا جعلت أحد شعراء العرب قبل الإسلام وهو لبيد بن ربيعه يضرب بها المثل في طولها وعرضها وفي أحكام عملها